رأي البدائيين في الأحلام
يذكر نظريتين في علم الاجتماع تعزو كل منهما إلى الأحلام أهمية كبيرة في نشوء الدين لدى البدائيين وهما نظرية سبنسر ونظرية بتلر.
حيث يرى سبنسر ان البدائيين لا يفرقون بين النوم والموت ففي كليهما تخرج الروح من بدن صاحبها ولكنها ترجع إليه بعد النوم بينما تتركه نهائيا نهائيا بعد الموت ويرى سبنسر أن هذه العقيدة البدائية هي التي أدت إلى ظهور الأديان المختلفة فإذا مات أحدهم أسرع أقرباؤه إلى القيام بالطقوس وتقديم القرابين إلى روحه بغية التضرع إليها وإلتماس العون منها ومن هنا نشأت عبادة الأسلاف التي هي أولى العبادات في البشر وأنا أرى أنها كانت المقدمة إلى عبادة الأصنام وتعظيمها فيما بعد.
وأما تيلر فقد كان يرى أن فكرة الروح نشأت عند الإنسان البدائي من ملاحظة نفسه عند النوم فالرؤى العجيبة التي يراها في منامه تدفعه إلى تخيل وجود الروح في بدنه وقد ادى به ذلك إلى الاعتقاد بأن كل شيء في هذه الدنيا له روح وبدن والعالم بهذا الاعتبار مملوء بعدد لا نهاية له من الأرواح وهي قادرة على نفع الإنسان وعلى الإضرار به وما الآلهة إلا نخبة ممتازة من هذه الأرواح سمت على غيرها وصارت موضع الخشية والعبادة.
نظرية أرسطو والفلسفة الرواقية :
يعتبر الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو هو أول فيلسوف الذي يدرس الأحلام دراسة فلسفية بعيدا عن عالم الغيب وتدخل الألهة حيث قال إن معظم الأحلام تنشأ من مؤثرات حسية فكثيرا ما يخالج الإنسان شيء من الألم واللذة أثناء يقظته ولكنه لا يهتم بها لانشغاله بأمور أخرى اهم في نظره فإذا استسلم إلى النوم ظهرـ له في ذلك أحلام واضحة وفطن ارسطو كذلك إلى اثر الميول والعواطف والأمزجة في تشكيل الأحلام فالمحب يرى في منامه ما يلائم نزعات هواه فالخائف مثلا يرى الأشياء التي تستوجب الخوف والعاشق الولهان يرى حبيبته وهكذا.
وأما الرواقيون فقد اعتبروا الرؤيا الصادقة وحيا إلهيا وقالوا إن النفس البشرية تكون فريسة للأهواء البشرية والضغوطات النفسية أثناء اليقظة ولكنها عند النوم تتحرر من الضغوط والشهوات وتصبح بذلك مهيأة على التنبؤ واستشفاف الغيب.
آراء المسلمين
رأي علماء المسلمين في الأحلام حيث يبدأ بذكر المعتزلة الذين يعتبرهم الكثير من المحققين فرسان العقل في الإسلام حيث أنكروا كل صلة إلهية بالأحلام ووصفوها بأنها مجرد أضغاث وأوهام ويستدلون على ذلك ان الإدراك الصحيح لا يتأتى للإنسان إلا في اليقظة حين يكون العقل في عنفوانه ويقولون إن الإدراك والنوم ضدان لا يجتمعان وليس من الممكن أن يدرك العقل حقائق الكون أثناء نومه وعلى قدر الانتباه يكون الإدراك.
وأما الصوفية فإنهم يعتقدون أن النوم يقظة واليقظة نوم ويقولون إن النفس البشرية مشغولة أثناء اليقظة بصور المحسوسات وهموم البدن وأما في النوم فينجلي عن بصرها الغشاء وتحلق في سماء المعرفة طليقة لا يشغلها شاغل وبذلك نجد ان رأيهم في ذلك يشابه تماما رأي الفلسفة الرواقية..
الآراء الحديثة في الأحلام
بعض النظريات العلمية والفلسفية الحديثة في الأحلام حيث صار أغلب المفكرين يجردون الأحلام من كل صبغة روحية أو قدسية وعادت نظرية أرسطو للحياة من جديد بعد ان كانت راقدة لقرون عدة وأصبحت تسمى بنظرية الحافز الحسي ومعناها ان الحلم ينشأ في النائم من جراء إحساس مادي يطرأ عليه وهذا الإحساس قد ينبعث من داخل البدن أو خارجه وآمن بها الكثير من المفكرين والفلاسفة قبل أن يأتي فرويد ويقضي عليها مرة أخرى.
وممن ساهم في تأييد هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون حيث قال إن الحواس لا تتعطل عن أداء وظيفتها عند النوم وكل أثر يقع عليها يؤدي بالنائم إلى رؤية حلم مستمد منه فإذا كانت قدماه ـ مثلا ـ غير مستقرتين على نقطة ارتكاز رأى كأنه طائر في الفضاء وإذا أضيئت أمام عينيه شمعة تحول الضوء في حلمه إلى حريق وهكذا.وقد انتقد سيجمند فرويد هذه النظرية ورأى أن الحافز النفسي قد يساعد على نشوء الأحلام ولكنه مع ذلك لا يعين مضمونها ولا يجدي في تفسير مغزاها
فلو ضربنا جرسا ـ مثلا ـ بالقرب من بضعة أشخاص نائمين فإن ذلك قد يؤدي بهم إلى رؤية أحلام لها صلة بدق الجرس ولكن كل واحد منهم قد يرى من الأحلام ما يوافق هواه وذكرياته ورغباته الدفينة فالطالب الذي يكره المدرسة مثلا يتخيل جرس انتهاء الدراسة والانصراف إلى المنزل والمدرس قد يتخيل جرس إعلان بدء الحصة المخصصة له لدخول الفصل وهكذا.
تسمى نظرية فرويد بنظرية «الحافز النفسي» وهو يحصر نظريته في كلمتين حيث يقول إن الحلم ليس سوى «تحقيق رغبة».
وقد جعل فرويد من تحقيق الرغبة الأساس التي تقوم عليها الأحلام وحاول أن يعلل به جميع الظواهر الغريبة التي يراها المرء في حياته.
وأضاف فرويد إلى ما تقدم أمرين:
1 ـ إن تحقق الرغبة قد لا يظهر في الحلم على شكل سافر مفضوح إنما هو يظهر في كثير من الأحيان مقنعا أو رمزيا.
2- والحلم لا يحقق جميع الرغبات التي يشعر بها الإنسان بل هو يحقق منها تلك التي كبتها الإنسان أثناء يقظته ولم يستطع إشباعها لسبب من الأسباب
ويمكن تلخيص نظرية فرويد في الأحلام بالشكل التالي «إن الحلم تحقيق مقنع للرغبة المكبوتة أو المضغوطة».
نتمنى ان ينال اعجابكم